الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****
123 - إذا زنى الرّقيق يجلد خمسين جلدةً ذكرًا كان أو أنثى، ولا يرجم، اتّفاقًا، لقوله تعالى: {فإذا أحصنّ فإن أتين بفاحشةٍ فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب} فينصرف التّنصيف إلى الجلد دون الرّجم لوجهين: أنّ الجلد هو المذكور في القرآن دون الرّجم، وأنّ الرّجم لا يتنصّف بل الّذي يتنصّف هو الجلد، لحديث أبي هريرة وزيد بن خالدٍ الجهنيّ {أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن فقال إذا زنت فاجلدوها، ثمّ إن زنت فاجلدوها، ثمّ إن زنت فاجلدوها، ثمّ بيعوها ولو بضفيرٍ} والعبد كالأمة لعدم الفرق. قال عليّ رضي الله عنه: يا أيّها النّاس، أقيموا على أرقّائكم الحدّ، من أحصن منهم ومن لم يحصن.
124 - ذهب عامّة العلماء إلى أنّه إن سرق المملوك ما فيه الحدّ وتمّت شروط الحدّ وجب قطعه، لعموم آية حدّ السّرقة، ولما ورد أنّ رقيقًا لحاطب بن أبي بلتعة سرقوا ناقةً لرجلٍ من مزينة فنحروها، فأمر بهم عمر رضي الله عنه أن تقطع أيديهم. ثمّ قال عمر: واللّه إنّي لأراك تجيعهم، ولكن لأغرّمنّك غرمًا يشقّ عليك. ثمّ قال للمزنيّ: كم ثمن ناقتك ؟ قال: أربعمائة درهمٍ. قال: أعطه ثمانمائة درهمٍ. وروي أنّ عبدًا أقرّ بالسّرقة عند عليٍّ رضي الله عنه فقطعه. وإن سرق الرّقيق مال سيّده أو مال رقيقٍ آخر لسيّده لم يقطع لخبر عمر: عبدكم سرق متاعكم; ولشبهة استحقاق النّفقة عليه; ولأنّ العبد وما ملكت يداه لسيّده فكأنّه لم يخرجه من حرزه. وعند الحنفيّة والحنابلة لا يقطع العبد بسرقته ممّن لو سرق منه السّيّد لم يقطع، وذلك كزوج السّيّدة أو زوجة السّيّد، أو أبيه أو جدّه أو ابنه أو بنته.
أ - إيقاع الحدّ على الرّقيق إذا قذف محصنًا أو محصنةً: 125 - إذا قذف الرّقيق المكلّف محصنًا أو محصنةً بالزّنا ولم تتمّ الشّهادة وجب عليه الحدّ إجماعًا إذا تمّت شروطه لعموم آية القذف، وجمهور العلماء على أنّ حدّ الرّقيق نصف حدّ الحرّ، وذلك أنّه لمّا كان حدّ القذف الجلد فهو يتنصّف، فوجب تنصيفه، كحدّ الجلد في الزّنا، وقد قال عبد اللّه بن عامر بن ربيعة: أدركت أبا بكرٍ وعمر وعثمان ومن بعدهم من الخلفاء فلم أرهم يضربون المملوك إذا قذف إلاّ أربعين.
ب - (قذف الرّقيق): 126 - من قذف رقيقًا فلا حدّ عليه اتّفاقًا، سواء كان القاذف سيّد الرّقيق أو غير سيّده. واستثنى مالك من قذف أمةً حاملًا من سيّدها الحرّ بعد موته بأنّها حامل من زنًا. ودليل عدم حدّ قاذف الرّقيق قوله تعالى: {والّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً} فجعلت الآية: الحدّ لقاذف المحصنة، وشرط الإحصان الحرّيّة. واحتجّوا أيضًا بما روى البخاريّ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: {من قذف مملوكه وهو بريء ممّا قال جلد يوم القيامة إلاّ أن يكون كما قال}. وروى ابن عمر أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: {من قذف مملوكه كان للّه في ظهره حدّ يوم القيامة} قال ابن حجرٍ: فدلّ الحديث على ذلك; لأنّه لو وجب على السّيّد الحدّ في الدّنيا لذكره كما ذكره في الآخرة. وحيث انتفى الحدّ شرع التّعزير، وللعبد إن قذفه سيّده أو غيره أن يرفعه إلى الحاكم ليعزّره، والحقّ في العفو للعبد لا للسّيّد، فإن مات فللسّيّد المطالبة.
127 - يحدّ الرّقيق إذا شرب المسكر بالتّفصيل الّذي يذكر في حدّ الحرّ، إلاّ أنّ حدّ الرّقيق نصف حدّ الحرّ، فمن قال: إنّ الحرّ يحدّ ثمانين جلدةً جعل حدّ العبد أربعين، ومن قال حدّ الحرّ أربعون قال: إنّ حدّ الرّقيق عشرون جلدةً.
128 - الرّقيق ليس من أهل الولايات، من حيث الجملة; لأنّ الرّقّ عجز حكميّ سببه في الأصل الكفر; ولأنّ الرّقيق مولًّى عليه مشغول بحقوق سيّده وتلزمه طاعته فلا يكون واليًا. قال ابن بطّالٍ: أجمعت الأمّة على أنّ الإمامة العظمى لا تكون في العبيد إذا كان بطريق الاختيار. قال ابن حجرٍ بعد أن نقل ذلك: أمّا لو تغلّب عبد حقيقةً بطريق الشّوكة فإنّ طاعته تجب إخمادًا للفتنة ما لم يأمر بمعصيةٍ. ا هـ. قال ابن حجرٍ: أمّا لو استعمل العبد على إمارة بلدٍ مثلًا وجبت طاعته. وحمل على ذلك ما في حديث البخاريّ من طريق أنسٍ رضي الله عنه مرفوعًا: {اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشيّ كأنّ رأسه زبيبة}. وفسّر استعمال العبد في الحديث بأن يجعل عاملًا فيؤمّر إمارةً عامّةً على بلدٍ مثلًا، أو يولّى فيها ولايةً خاصّةً كإمامة الصّلاة، أو جباية الخراج أو مباشرة الحرب. وقال الحنفيّة: العبد لا يلي أمرًا عامًّا، إلاّ نيابةً عن الإمام الأعظم فله نصب القاضي نيابةً عن السّلطان ولكن لا يقضي هو. وصرّح الشّافعيّة بأنّ العبد لا يولّى تقرير الفيء ولا جباية أمواله بعد تقريرها. ويذكر الفقهاء أنّ العبد لا يجوز شرعًا أن يكون قاضيًا لنقصه. قال الحنفيّة والشّافعيّة: العبد لا يكون قاضيًا، ولا قاسمًا، ولا مقوّمًا، ولا قائفًا ولا مترجمًا، ولا كاتب حاكمٍ، ولا أمينًا لحاكمٍ، ولا وليًّا في نكاحٍ أو قودٍ، وأضاف ابن نجيمٍ: ولا مزكّيًا علانيةً، ولا عاشرًا، وأضاف السّيوطيّ: ولا خارصًا، ولا يكون عاملًا في الزّكاة إلاّ إذا عيّن له الإمام قومًا يأخذ منهم قدرًا معيّنًا.
128 م - من شرط الشّاهد عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة أن يكون حرًّا، فلا تقبل شهادة العبد. قال عميرة البرلّسيّ: لأنّ المخاطب بالآية (يعني آية الدّين) الأحرار، بدليل قوله تعالى: {إذا تداينتم} لقوله تعالى: {ممّن ترضون من الشّهداء} وإنّما يرتضى الأحرار، قال: وأيضًا نفوذ القول على الغير نوع ولايةٍ. يعني والرّقيق ليس من أهلها، ومال ابن الهمام إلى قبول شهادته لأنّ عدم ولايته هو لحقّ المولى لا لنقصٍ في العبد. وذهب الحنابلة إلى أنّ شهادة العبد جائزة على الأحرار والعبيد في غير الحدود والقصاص، ونقله ابن قدامة وابن الهمام عن أنسٍ وعليٍّ رضي الله عنهما، إلاّ أنّ ابن الهمام قال إنّ عليًّا كان يقول: تقبل على العبيد دون الأحرار. وممّن نقل عنه قبول شهادة العبيد عروة وشريح وإياس وابن سيرين وأبو ثورٍ وابن المنذر. قال أنس: ما أعلم أحدًا ردّ شهادة العبد. ووجّهه ابن قدامة بأنّ العبيد من رجالنا فدخل في عموم قوله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} ولأنّه إن كان عدلًا غير متّهمٍ تقبل روايته وفتياه وأخباره الدّينيّة، فتقبل شهادته كالحرّ، ولأنّ الشّهادة تعتمد المروءة، والعبيد منهم من له مروءة وقد يكون منهم الأمراء والعلماء والصّالحون والأتقياء. ولأنّ من أعتق منهم قبلت شهادته اتّفاقًا، والحرّيّة لا تغيّر طبعًا ولا تحدث علمًا ولا مروءةً. وأمّا شهادة العبد في الحدود فلا تجوز عند الحنابلة في ظاهر المذهب; لأنّ الحدود تسقط بالشّبهات، والاختلاف في قبول روايته في الأموال يورث شبهةً. وأمّا في القصاص فتقبل شهادته عندهم في أحد الوجهين لأنّه حقّ آدميٍّ فأشبه الأموال. قالوا: وتقبل شهادة الأمة فيما تقبل فيه شهادة الحرّة، وذلك في المال. وهذا إن شهد العبد أو الأمة لغير سيّده. أمّا لو شهد لسيّده فلا تقبل شهادته اتّفاقًا لأنّه يتبسّط في مال سيّده، وينتفع به، ويتصرّف فيه، وتجب نفقته منه، ولا يقطع بسرقته منه فلا تقبل شهادته له، كالابن مع أبيه. وكذا لا تقبل شهادة السّيّد لعبده اتّفاقًا كما لا يقبل قضاؤه له لأنّ مال العبد لسيّده، فشهادته له شهادة لنفسه في المال. وكذا لا تقبل شهادته له بنكاحٍ، ولا لأمته بطلاقٍ لأنّ في طلاق أمته تخليصها من زوجها وإباحتها للسّيّد، وفي نكاح العبد نفع له. وبعض الّذين لم يقبلوا شهادة العبد استثنوا الشّهادة على رؤية هلال رمضان منهم الحنفيّة وهو وجه عند الشّافعيّة. فقالوا: تقبل شهادة العبد والأمة على ذلك كالأحرار لأنّه أمر دينيّ فأشبه رواية الأخبار، ولهذا لا يختصّ بلفظ الشّهادة.
129 - رواية العبد والأمة للحديث وأخبارهما مقبولة اتّفاقًا حتّى في أمور الدّين كالقبلة، والطّهارة، أو النّجاسة، وكحلّ اللّحم وحرمته إن كانا عدلين، وذلك لأنّ باب الرّواية واسع بخلاف الشّهادة. ويقبل قول العبد والأمة في الهديّة والإذن، لأنّ الهدايا تبعث عادةً على أيدي هؤلاء، فلو لم يقبل قولهم أدّى ذلك إلى الحرج، حتّى لقد قال الحنفيّة: إذا قالت جارية لرجلٍ: بعثني مولاي هديّةً إليك، وسعه أن يأخذها، لأنّه لا فرق بين ما إذا أخبرت بإهداء المولى غيرها أو نفسها. وقال النّوويّ في التّقريب: يقبل تعديل العبد العارف. ونقل السّيوطيّ مثل ذلك عن الخطيب البغداديّ والرّازيّ والقاضي أبي بكرٍ الباقلّانيّ.
130 - الجهاد لا يجب على الرّقيق، لما روي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم {كان يبايع الحرّ على الإسلام والجهاد، ويبايع العبد على الإسلام دون الجهاد}. ولأنّ الجهاد عبادة تتعلّق بقطع مسافةٍ فلم تجب على العبد كالحجّ. وقال النّوويّ: لا جهاد على رقيقٍ وإن أمره سيّده، إذ ليس القتال من الاستخدام المستحقّ للسّيّد، ولا يلزمه الذّبّ عن سيّده عند خوفه على روحه إذا لم نوجب الدّفع عن الغير، بل السّيّد في ذلك كالأجنبيّ، وللسّيّد استصحابه في سفر الجهاد وغيره ليخدمه ويسوس دوابّه. ا هـ. لكن إن فاجأ العدوّ بلدًا بنزوله عليها بغتةً، فيلزم كلّ أحدٍ به طاقة على القتال الخروج لدفع العدوّ حتّى المرأة والعبد، ولو لم يأذن الزّوج أو السّيّد، وكذا يلزم الخروج الصّبيّ والمطيق للقتال، ومن هنا قال المالكيّة: يسهم لهؤلاء ممّا يغنم من العدوّ في هذه الحال، لكون القتال واجبًا عليهم. ولا يسهم للعبد إذا حضر الوقعة عند جمهور العلماء، لما روى عمير مولى آبي اللّحم أنّه قال: {شهدت خيبر مع سادتي، فكلّموا في رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأمرني، فقلّدت سيفًا، فإذا أنا أجرّه، فأخبر أنّي مملوك فأمر لي بشيءٍ من خرثيّ المتاع}. وقال ابن عبّاسٍ: المملوك والمرأة يحذيان من الغنيمة وليس لهم سهم. وقال أبو ثورٍ وعمر بن عبد العزيز والحسن والنّخعيّ: يسهم للعبيد كالأحرار، لما روى الأسود بن يزيد أنّه شهد فتح القادسيّة عبيد فضربت لهم سهامهم، ولأنّ حرمة العبد في الدّين كحرمة الحرّ. وذكر النّوويّ تبعًا للقول الأوّل أنّه لو انفرد العبيد بالاغتنام قسمت عليهم الغنيمة بعد تخميسها. ولو قتل العبد كافرًا فله سلبه، وهذا هو المذهب عند الشّافعيّة. ولو خرج أحد من رقيق الكفّار الحربيّين إلينا مسلمًا مراغمًا لهم فهو حرّ إن فارقهم ثمّ أسلم، وإن كانت رقيقةً لم تردّ على سيّدها ولا زوجها وتكون حرّةً; لأنّها ملكت نفسها بقهرها لهم على نفسها.
131 - قال ابن قدامة: لا نعلم بين أهل العلم اليوم خلافًا في أنّ العبيد لا حقّ لهم في الفيء. ا هـ. وهو مبنيّ على مذهب عمر رضي الله عنه في ذلك فقد قال: ما من أحدٍ من المسلمين إلاّ له في هذا المال نصيب إلاّ العبيد فليس لهم فيه شيء. وروي أنّ أبا بكرٍ رضي الله عنه سوّى بين النّاس في العطاء وأدخل فيه العبيد.. فلمّا ولي عمر رضي الله عنه فاضل بينهم وأخرج العبيد، فلمّا ولي عليّ سوّى بينهم وأخرج العبيد. ومن هنا قال النّوويّ: لا تثبت في الدّيوان أسماء العبيد، وإنّما هم تبع للمقاتل، يعطي لهم، وذلك أنّ الّذي يثبت في الدّيوان أسماء الرّجال المكلّفين المستعدّين للغزو.
132 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ عورة الحرّة بالنّسبة إلى عبدها لا تختلف عن عورتها بالنّسبة إلى غيره من الرّجال الأجانب، وهي ما عدا الوجه والكفّين، ولكن قال الحنفيّة: يدخل العبد على مولاته بغير إذنٍ. وقال الشّافعيّة: عبد المرأة محرم لها على الأصحّ، وهو المنصوص عن الشّافعيّ قال النّوويّ: وهو ظاهر الكتاب والسّنّة يعني قوله تعالى: {لا جناح عليهنّ في آبائهنّ ولا أبنائهنّ} إلى قوله: {ولا ما ملكت أيمانهنّ}. وحديث: {إنّما هو أبوك وغلامك}. وقال الحنابلة: للعبد أن ينظر من مولاته الرّأس والرّقبة والذّراع والسّاق، ولا يكون محرمًا لها في السّفر لحديث ابن عمر مرفوعًا {سفر المرأة مع عبدها ضيعة}. وفصّل المالكيّة: فقالوا: إن كان العبد له منظر، كره له أن يرى من سيّدته ما عدا وجهها، فإن كان وغدًا (أي بخلاف ذلك) جاز أن يرى منها ما يراه المحرم. والمشهور عندهم أنّه يجوز أن يخلو بها.
133 - يملك الرّقيق أن يذبح، وذبيحته حلال، لما ورد في صحيح البخاريّ {أنّ جاريةً لكعب بن مالكٍ كانت ترعى غنمًا بسلعٍ، فأصيبت شاة منها، فأدركتها فذبحتها بحجرٍ، فسئل النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: كلوها}. قال عبيد اللّه راوي الحديث: فيعجبني أنّها أمة وأنّها ذبحت. ونقل ابن حجرٍ أنّ محمّد بن عبد الحكم روى عن مالكٍ كراهته أي من حيث هي امرأة، وفي وجهٍ للشّافعيّة يكره ذبح المرأة الأضحيّة، وفي المدوّنة عن مالكٍ جوازه. (ر: ذبائح). قال النّوويّ: والعبد لا يجوز له التّضحية إن قلنا: إنّه لا يملك بالتّمليك فإن أذن السّيّد، وقعت التّضحية عن السّيّد، فإن قلنا: إنّهم يملكون بالتّمليك وإذن السّيّد وقعت التّضحية عن العبد. وهذه المسألة فرع من فروع مسألة ملك العبد بالتّمليك، وقد تقدّمت.
134 - قد يكون الرّقيق مملوكًا لأكثر من شخصٍ واحدٍ. وينشأ الاشتراك كما في سائر الأموال، نحو أن يشتري العبد شخصان فأكثر، أو يرثاه أو يقبلاه هبةً أو وصيّةً أو غير ذلك، أو أن يبيع السّيّد جزءًا شائعًا من عبده أو أمته. وقد يشتري الشّركاء في شركة العقود عبدًا للتّجارة، فيكون مشتركًا أيضًا. وأحكام الرّقيق المشترك هي أحكام الرّقيق غير المشترك من حيث الجملة، لأنّه قنّ مثله، لكن يختصّ الرّقيق المشترك بأحكامٍ تقتضيها الشّركة منها: 135 - ليس لأيّ الشّريكين أو الشّركاء وطء الأمة المشتركة بملك اليمين; لأنّ الوطء لا يحلّ إلاّ أن يملكها الواطئ ملكًا تامًّا (ر: تسرٍّ) لكن إن وطئها أحد الشّركاء فيعزّر ولا يحدّ لشبهة الملك إجماعًا، إلاّ ما نقل عن أبي ثورٍ، فإن لم تلد منه كان لهم بقدر أنصبائهم فيها من مهر المثل وأرش البكارة إن كانت بكرًا على الخلاف المتقدّم، فإن ولدت منه كانت أمّ ولدٍ له، ويضمن لشركائه قيمة أنصبائهم منها; لأنّه أخرجها عن ملكهم، فلزمته القيمة، كما لو أعتقها. ويكون ولده حرًّا، واختلف هل يلزمه لشركائه قيمة نصيبهم منه أم لا. وأمّا في النّظر والعورة فقد صرّح المالكيّة والشّافعيّة، بأنّ العبد المشترك مع سيّدته كالأجنبيّ، والأمة المشتركة مع سيّدها كالمحرم، ولا يحلّ له أن يتزوّجها. 136 - ومنها أنّ الإنفاق على الرّقيق المشترك واجب على الشّركاء جميعًا بنسبة أنصبائهم في ملكيّته، وكذا فطرته. 137 - ومنها الولاية على الرّقيق المشترك، وهي مشتركة بين المالكين، فإن كان الرّقيق أمةً فليس لأحدٍ من الشّركاء تزويجها بغير إذن الآخرين; لأنّه لا يتأتّى تزويج نصيبه وحده. ثمّ إن اشتجر المالكون في تزويجها لم يكن للسّلطان ولاية تزويجها; لأنّها مملوكة لمكلّفٍ رشيدٍ بالغٍ حاضرٍ لا ولاية عليه لأحدٍ، وهذا بخلاف أولياء الحرّة إن اشتجروا. والاشتجار في شؤون العبد المشترك في تزويجه، أو الإذن له بتجارةٍ، أو عملٍ، أو سفرٍ، أو غير ذلك يجعله في نصبٍ ولا يرضى منه المشتركون غالبًا، لاختلاف أهوائهم وإراداتهم، ولذا ضرب اللّه المثل به للمشركين باللّه فقال: {ضرب اللّه مثلًا رجلًا فيه شركاء متشاكسون ورجلًا سلمًا لرجلٍ هل يستويان مثلًا الحمد للّه بل أكثرهم لا يعلمون}. وقرئ في السّبع (سالمًا لرجلٍ). والمهايأة طريقة لتقليل نزاع الشّركاء في العبد المشترك كما يأتي. 138 - ومنها الانتفاع بالعبد المشترك واستخدامه، وذلك قد يكون بطرقٍ منها، المهايأة على الاستخدام في الزّمان، بأن يستخدمه هذا يومًا وهذا يومًا أو يومين أو أكثر من ذلك بحسب أنصبائهم فيه، فإذا تهايآه اختصّ كلّ من الشّركاء بنفقته العامّة وكسبه العامّ في مدّته ليحصل مقصود القسمة. أمّا النّفقات النّادرة كأجرة الحجّام والطّبيب والأكساب النّادرة كاللّقطة والهبة والرّكاز، أي إذا وجده العبد فلا يختصّ به من هو في نوبته في الأظهر عند الشّافعيّة، وفي وجهٍ عند الحنابلة، والوجه الآخر عند كلٍّ من الفريقين تكون مشتركةً كالنّفقة العامّة والكسب العامّ. وكذا تجوز المهايأة في خدمة العبد الواحد عند الحنفيّة في الزّمان اتّفاقًا للضّرورة، وقالوا: يقرع في البداية، أي يعيّن بالقرعة من يكون له اليوم الأوّل من الخدمة نفيًا للتّهمة. قالوا: ولو كان عبدان بين اثنين جاز أن يتهايآ على الخدمة فيهما، على أن يخدم هذا الشّريك هذا العبد، والآخر الآخر. ويجوز للقاضي أن يقسم بينهما على هذا الوجه جبرًا إذا طلبه أحدهما; لأنّ المنافع قلّما تتفاوت بخلاف الأعيان. قالوا: ولو تهايآ فيهما على أنّ نفقة كلّ عبدٍ على من يأخذه جاز استحسانًا للمسامحة في إطعام المماليك بخلاف شرط الكسوة فإنّها لا يسامح فيها. وأمّا التّهايؤ في استغلال العبد الواحد فقد منعه الحنفيّة، بخلاف التّهايؤ في استغلال الدّار مثلًا، قالوا: لأنّ الاستغلال إنّما يكون بالاستعمال، والظّاهر أنّ عمله في الزّمان الثّاني لا يكون كما كان في الزّمان الأوّل. فلو فعلا فزادت الغلّة لأحدهما عن الآخر يشتركان في الزّيادة ليتحقّق التّعديل، ولأنّ الغلّة يمكن به قسمتها فلا ضرورة إلى التّهايؤ فيها، بخلاف الخدمة، وأمّا في العبدين في الاستغلال فجائز عند الصّاحبين، لما في ذلك من معنى الإفراز والتّمييز، خلافًا لأبي حنيفة الّذي رأى أنّ المنع في صورة العبدين أولى بالمنع في صورة العبد الواحد، ولأنّ التّفاوت في الاستغلال يكثر; ولأنّ الظّاهر التّسامح في الخدمة والاستقصاء في الاستغلال. وكذا قال المالكيّة: يجوز تهايؤ العبد الواحد وتهايؤ العبدين (على ما تقدّم من بيان كيفيّته عند الحنفيّة) على سبيل الانتفاع والاستخدام، ولا يجوز في العبد الواحد والعبدين على سبيل الاستغلال. وحيث جاز قيّدوا بأن يكون العبد عند أحد الشّريكين يومًا فأكثر إلى شهرٍ لا أكثر، ثمّ يكون عند الآخر كذلك.
وينشأ التّبعيض في الرّقيق في صورٍ، منها: 139 - أ - أن يعتق مالك الرّقيق جزءًا منه سواء كان شائعًا كربعه، أو معيّنًا كيده، فقد ذهب أبو حنيفة إلى أنّ ما أعتقه يكون حرًّا، وما لم يعتقه يبقى على الرّقّ، ويستسعى العبد في قيمة جزئه الّذي لم يعتق، كالمكاتب، إلاّ أنّه لا يردّ إلى الرّقّ لو عجز عن الأداء، وما لم يؤدّ فهو مبعّض، فإن أدّى عتق. وذهب الجمهور منهم صاحبا أبي حنيفة إلى أنّ من أعتق جزءًا من عبده معيّنًا كيده أو شائعًا كربعه سرى العتق إلى باقيه فيعتق كلّه، قالوا: لأنّ زوال الرّقّ لا يتجزّأ، وقياسًا على سراية العتق فيما لو أعتق شركًا له في العبد، كما يأتي (وانظر: تبعيض ف 40). واشترط المالكيّة أن يكون السّيّد المعتق غير سفيهٍ. ب - أن يكون الرّقيق مشتركًا بين مالكين فأكثر، فيعتق أحدهم نصيبه، فإنّ باقيه يبقى رقيقًا عند أبي حنيفة أيضًا، ولشريك المعتق إمّا أن يحرّر نصيبه، أو يدبّره، أو يضمّن المعتق إن كان العتق بغير إذنه، أو يستسعي العبد في تحصيل قيمة باقيه ليتحرّر، فإن امتنع آجره جبرًا. وذهب الجمهور ومنهم الصّاحبان، إلى أنّ الشّريك إن أعتق نصيبه وكان موسرًا سرى العتق إلى الباقي فصار كلّ العبد حرًّا، ويكون على من بدأ بالعتق قيمة أنصباء شركائه، والولاء له دونهم، فإن أعتق الثّاني بعد الأوّل وقبل أخذ القيمة، فقد ذهب الحنابلة وأبو يوسف ومحمّد وهو قول للشّافعيّ: إلى أنّه لا يثبت للثّاني عتق، لأنّ العبد قد صار حرًّا بعتق الأوّل. وذهب مالك والشّافعيّ في قولٍ آخر: إلى أنّه لا يعتق بعتق الأوّل ما لم يأخذ القيمة، أمّا قبل أخذ القيمة فباقي العبد مملوك لصاحبه ينفذ تصرّفه فيه بالعتق، ولا ينفذ بغيره. وفي قولٍ ثالثٍ للشّافعيّ: إنّ العتق مراعًى، فإن دفع القيمة تبيّنّا أنّه كان عتق من حين أعتق الأوّل نصيبه، وإن لم يدفع تبيّنّا أنّه لم يكن عتق. أمّا إن كان من أعتق نصيبه معسرًا فلا يسري العتق، ويكون العبد مبعّضًا. واحتجّ الجمهور بحديث الصّحيحين {من أعتق شركًا له في عبدٍ فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوّم العبد عليه قيمة عدلٍ فأعطى شركاءه حصصهم}. وعتق عليه العبد، وإلاّ فقد عتق منه ما عتق. (وانظر تبعيض ف 41). وعلى مثل هذا التّفصيل ما لو عتق على المالك سهمه من عبدٍ بحكم الشّرع، كمن ملك سهمًا من ذي محرمٍ باختياره، أمّا إن ملك بغير اختياره، كمن ورث جزءًا من ابنه، فإنّه يعتق عليه ولا يسري إلى باقيه اتّفاقًا، بل يبقى مبعّضًا; لأنّه لم يقصد ما يتلف به نصيب شريكه. ج - أن تلد المبعّضة ولدًا من زوجٍ أو زنًا، فمقتضى تبعيّة الولد لأمّه في الرّقّ والحرّيّة أن يكون ولدها مبعّضًا كذلك. د - ولد الجارية المشتركة من وطء الشّريك المعسر، في الأصحّ عند الشّافعيّة هـ - أن يضرب الإمام الرّقّ على بعض الأسير لعتق بعضه، فيكون مبعّضًا عند الحنفيّة، وفي الأصحّ عند الشّافعيّة كذلك. وذكر السّيوطيّ في الأشباه والنّظائر صورًا أخرى نادرةً.
140 - لمّا كان المبعّض بعضه حرّ وبعضه مملوك، فإنّه يكون شبيهًا بالرّقيق المشترك من وجهٍ; لأنّ سيّده لا يملك كلّه بل يملك جزءًا منه، وشبيهًا بالحرّ من وجهٍ; لأنّه لا يد لأحدٍ على ذلك الجزء الحرّ منه. وقد صرّح المالكيّة بأنّ أحكام المبعّض كأحكام القنّ فيما عدا وطء السّيّد أمته المبعّضة فلا يجوز. وفي تحفة الطّلّاب لزكريّا الأنصاريّ من الشّافعيّة أنّ المبعّض في بعض أحكامه كالقنّ، وفي بعضها كالحرّ، وفي بعضٍ آخر هو كالحرّ وكالعبد باعتبارين. وباستقراء كلام الحنابلة في فروع هذه المسألة يتبيّن أنّهم في ذلك كالشّافعيّة وإن خالفوهم في بعض الفروع. التّصرّف فيه: 141 - للسّيّد أن يتصرّف في الجزء المملوك بالبيع وغيره كالمشترك، فله أن يرهنه، أو يقفه عند من يجيز رهن المشاع أو وقفه. وعند الحنفيّة لا يباع المبعّض، ولكن يجوز لسيّده أن يؤجّره ليأخذ قيمة باقيه من أجرته.
142 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ المبعّض لو كسب شيئًا من المباحات كالاحتشاش والاحتطاب والالتقاط، فإنّه يكون مشتركًا بينه وبين سيّده، فلسيّده نسبة ملكه فيه، والباقي له، كما في العبد المشترك، وهذا إن لم يكن بينه وبين سيّده مهايأة، فإن كانت فلصاحب النّوبة منه أو من سيّده، على التّفصيل والخلاف المتقدّم في مسائل العبد المشترك. وذهب الحنفيّة إلى أنّ المبعّض أحقّ بكسبه كلّه إلى أن يؤدّي قيمة باقيه المملوك من مكاسبه أو يعتق.
143 - لا يرجم المبعّض في الزّنا لعدم تمام إحصانه، وحدّ المبعّض كحدّ الرّقيق عند الشّافعيّة في الأصحّ، فهو على النّصف من حدّ الحرّ في الزّنا، والقذف، وشرب الخمر. وقال الحنابلة: يحدّ بنسبة حرّيّته ورقّه، فالمنصّف يجلد في الزّنا خمسًا وسبعين جلدةً، ولا يحدّ قاذف المبعّض على الأصحّ عند الشّافعيّة، كما لا يحدّ قاذف الرّقيق، بل يعزّر. ولا يقطع بسرقته مال سيّده، كما لا يقطع سيّده بسرقته من مال المبعّض، ولو كان المسروق ممّا ملكه المبعّض بجزئه الحرّ على أحد الوجهين عند الشّافعيّة.
144 - لو قتل المبعّض حرًّا فيجب القصاص إذا تمّت شروطه; لأنّه يقتل بالحرّ الحرّ الكامل الحرّيّة، فلأن يقتل به المبعّض الّذي حرّيّته ناقصة أولى. ولو قتل المبعّض مبعّضًا آخر فلا قصاص على القول المعتمد عند الشّافعيّة; لأنّه لا يقتل جزء الرّقّ بجزء الرّقّ، بل يقتل جميعه بجميعه حرّيّةً ورقًّا شائعًا، فلو قتل به يلزم قتل جزء حرّيّةٍ بجزء رقٍّ وهو ممتنع. وذهب الحنابلة وهو قول عند الشّافعيّة: إلى أنّه يقتل به إن لم تزد حرّيّة القاتل على حرّيّة المقتول، بأن كانت بقدرها أو أقلّ; لأنّ المقتول حينئذٍ مساوٍ للقاتل أو يزيد عنه حرّيّةً، فلم يفضل القاتل المقتول بشيءٍ، فلا يمتنع القصاص. ولو قتل الحرّ مبعّضًا لم يقتل به عند من لا يقتل الحرّ بالعبد - وهم غير الحنفيّة ومن معهم كما تقدّم - لنقصه برقّ بعضه، وكذا لو قتل المبعّض قنًّا لم يقتل به، ولو قتل القنّ مبعّضًا قتل به. أمّا عند الحنفيّة فلو قتل المبعّض عمدًا، فإن كان ترك مالًا يفي بباقي قيمته فهو حرّ ويثبت القصاص، وإن لم يترك وفاءً فلا قصاص للاختلاف في أنّه يعتق كلّه أو لا، فالسّبب في عدم ثبوت القصاص جهل المستحقّ، إذ هو دائر بين أن يكون السّيّد أو القريب.
145 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ المبعّض إذا قتل ووجب ضمانه، فإنّ فيه من دية الحرّ بنسبة حرّيّته، ومن قيمته لو كان كلّه رقيقًا بنسبة رقّه. فمبعّض نصفه حرّ نصف دية حرٍّ تحمله العاقلة، ونصف قيمته لو كان عبدًا، في مال الجاني. وإن قطع إحدى يديه فربع الدّية وربع القيمة، وكلّها في مال الجاني. وإن كان الجرح ممّا لا مقدّر له يقوّم كلّه رقيقًا سليمًا بلا جرحٍ، ثمّ رقيقًا وبه الجرح، ويضمن الجاني النّقص، لكن يكون نصف ذلك النّقص (أي في الرّقيق المنصّف) ديةً (أي أرشًا) لجزئه الحرّ. والنّصف الآخر قيمةً لما نقص من جزئه الرّقيق.
146 - ذهب أبو حنيفة ومالك والشّافعيّ في القديم إلى أنّ المبعّض لا يورث عنه ماله بل يكون كلّ ما تركه لمالك جزئه المملوك. وفي وجهٍ عند الشّافعيّة على القديم: يكون لبيت المال. وذهب الشّافعيّة - على الجديد - وهو الأظهر والحنابلة، إلى التّفريق بين ما كسبه بجزئه الحرّ وبين غيره. والّذي كسبه بجزئه الحرّ مثل أن يكون قد ورث شيئًا عن قريبٍ له مثلًا; لأنّه لا يرث إلاّ بجزئه الحرّ، أو يكون قد هايأ سيّده فكسب ذلك المال في الأيّام المخصّصة له (أي للمبعّض) أو كان قد قاسم سيّده قبل الموت وأخذ السّيّد حقّه، فيكون الّذي بقي لجزئه الحرّ. قالوا: فيورث عنه ذلك، يرثه قريبه وزوجته ومعتقه. وأمّا إن لم يكن قد كسبه بجزئه الحرّ، ولا قاسم سيّده في حياته، فما تركه من المال يكون بين ورثته وبين سيّده، فلسيّده بنسبة ملكه. والباقي للورثة.
147 - ذهب أبو حنيفة ومالك، إلى أنّ المبعّض كالقنّ في جميع أحكامه، فلا يرث، كما لا يورث، وهو مرويّ عن زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه. وكذا قال الشّافعيّة في الصّحيح المنصوص الّذي قطع به الأصحاب: لا يرث المبعّض من أقاربه وغيرهم شيئًا، ولا يحجب أحدًا من الورثة. وقال أحمد، والمزنيّ، وابن سريجٍ، من الشّافعيّة، وهو مرويّ عن عليٍّ وابن مسعودٍ: يرث، ويحجب بقدر جزئه الحرّ، فجزؤه الحرّ يعامل معاملة الأحرار، وجزؤه المملوك يعامل معاملة العبيد، واحتجّوا بما روى ابن عبّاسٍ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال {في العبد يعتق بعضه: يرث ويورث بقدر ما عتق منه}. ومثّل له في العذب الفائض بامرأةٍ ماتت عن زوجٍ، وأخٍ شقيقٍ حرّين، وابنٍ لها نصفه حرّ، فيكون للابن الرّبع والثّمن، وهو نصف ما يأخذه لو كان كامل الحرّيّة، وللزّوج الرّبع والثّمن كذلك، وللأخ الرّبع، لأنّه لو كان الابن رقيقًا كان للزّوج النّصف وللأخ النّصف ولا شيء للابن، ولو كان كامل الحرّيّة كان للزّوج الرّبع والباقي للابن وهو نصف وربع، ولا شيء للأخ، فيأخذ كلّ منهم نصف ما يأخذه في مجموع المسألتين. وقال أبو يوسف ومحمّد والحسن وجابر والنّخعيّ والشّعبيّ والثّوريّ: هو كالحرّ في جميع أحكامه فيرث ويحجب كالحرّ، وهو مرويّ عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما. قال ابن عابدين: هو عند الصّاحبين حرّ مديون - أي لأنّه يستسعى في فكاك باقيه - فيرث ويحجب.
148 - ينقضي الرّقّ في الرّقيق بأمورٍ: الأوّل: أن يعتقه مالكه، سواء بادر بعتقه من عند نفسه، أو أعتقه عن نذرٍ أو كفّارة يمينٍ، أو ظهارٍ، أو قتلٍ أو غير ذلك، وسواء كان عتقه على مالٍ يلتزمه العبد كما في الكتابة، أو على غير مالٍ (ر: عتق). الثّاني: أن يعتق بحكم الشّرع، كما لو جرحه السّيّد، أو خصاه، أو ضربه ضربًا مبرّحًا على خلافٍ وتفصيلٍ، وكما لو ولدت الأمة من سيّدها ثمّ مات السّيّد (ر: استيلاد) وكما لو اشترى الرّجل قريبه. الثّالث: أن يوصي بعتقه يخرج من الثّلث وقد تقدّم. الرّابع: أن يدبّره: أي يعلّق السّيّد عتق العبد على موته أي موت السّيّد، فإن مات السّيّد يكون العبد عتيقًا، وكذا لو كاتبه وأدّى الكتابة (ر: تدبير، عتق).
1 - لغةً: الرّقم في الأصل مصدر، يقال: رقمت الثّوب رقمًا أي وشّيته، فهو مرقوم، ورقمت الكتاب: كتبته فهو مرقوم. والرّقم: الخطّ والكتابة والختم. والرّقم: خزّ موشًّى، وكلّ ثوبٍ وشّي فهو رقم. ورقمت الشّيء: أعلمته بعلامةٍ تميّزه عن غيره كالكتابة ونحوها. وفي الاصطلاح: علامة يعرف بها مقدار ما يقع به البيع، أو هو الثّمن المكتوب على الثّوب. وفي الحديث: {كان يزيد في الرّقم} أي ما يكتب على الثّياب من أثمانها لتقع المرابحة عليه، أو يغترّ به المشتري.
أ - البرنامج: 2 - البرنامج: الورقة الجامعة للحساب، وهو معرّب (برنامه). وفي المغرب: هي النّسخة المكتوب فيها عدد الثّياب والأمتعة وأنواعها المبعوث بها من إنسانٍ لآخر، فتلك النّسخة الّتي فيها مقدار المبعوث هي البرنامج. ونصّ فقهاء المالكيّة على أنّ البرنامج هو الدّفتر المكتوب فيه أوصاف ما في العدل من الثّياب المبيعة لتشترى على تلك الصّنعة للضّرورة. ب - الأنموذج: 3 - الأنموذج: ما يدلّ على صفة الشّيء، وهو معرّب، وفي لغةٍ: نموذج، قال الصّغانيّ: النّموذج: مثال الشّيء الّذي يعمل عليه. ج - النّقش، والوشي، والنّمنمة، والتّزويق: 4 - هذه الألفاظ تكاد تكون متّفقة المعنى وهي تشترك مع (الرّقم) في معنى التّجميل، والتّزيين.
البيع بالرّقم: 5 - من شروط صحّة البيع العلم بالثّمن، فلو كان الثّمن مرقومًا على السّلعة (أي مكتوبًا عليها)، وتمّ البيع بالرّقم بأن قال البائع للمشتري: بعتك هذه السّلعة برقمها، أي بالثّمن الّذي هو مرقوم عليها. فإن كان البائع والمشتري عالمين بقدره صحّ البيع باتّفاقٍ. وإن كانا جاهلين أو كان أحدهما جاهلًا وتمّ البيع على ذلك وافترقا فسد البيع عند الجمهور (الحنفيّة، وهو الأصحّ عند الشّافعيّة والمذهب عند الحنابلة، وهو المفهوم من مذهب المالكيّة) وذلك لجهالة الثّمن، وجهالة الثّمن تمنع صحّة البيع. وفي روايةٍ عن أحمد أنّ البيع صحيح واختار هذه الرّواية ابن تيميّة، وهو وجه حكاه الرّافعيّ من الشّافعيّة; للتّمكّن من معرفة الثّمن، نظيره ما لو قال: بعت هذه الصّبرة كلّ صاعٍ بدرهمٍ يصحّ البيع، وإن كانت جملة الثّمن في الحال مجهولةً، لكن قال النّوويّ عمّا حكاه الرّافعيّ: هذا ضعيف شاذّ. وإن علم الجاهل بالثّمن - قدر الرّقم - في المجلس (أي قبل الافتراق) فالبيع صحيح; لأنّ المانع كان هو جهالة الثّمن عند العقد، وقد زالت في المجلس، ويصير كتأخير القبول إلى آخر المجلس، وهذا عند الحنابلة وبعض الحنفيّة وهو وجه حكاه الفورانيّ وصاحب البيان وغيرهما من الشّافعيّة في مقابل الأصحّ، وهو مفهوم مذهب المالكيّة. وقال البعض الآخر من الحنفيّة: البيع فاسد; لأنّ فيه زيادة جهالةٍ تمكّنت في صلب العقد وهي جهالة الثّمن بسبب الرّقم، وصار بمنزلة القمار للخطر الّذي فيه أنّه سيظهر كذا وكذا لأنّه يحتمل أن يبيّن البائع قدر الرّقم بعشرة دراهم أو أكثر أو أقلّ. لكنّه مع ذلك يجوز البيع مع العلم في المجلس لكن بعقدٍ آخر هو التّعاطي أو التّراضي. وعن هذا قال شمس الأئمّة الحلوانيّ: وإن علم بالرّقم في المجلس لا ينقلب ذلك العقد جائزًا، ولكن إن كان البائع دائمًا على الرّضا فرضي به المشتري ينعقد بينهما عقد ابتداءٍ بالتّراضي. وتفصيله في بحث (ثمن ج 15 ص 35)
6 - الأصل في هذا ما رواه البخاريّ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: {أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة فلم يدخل عليها، وجاء عليّ فذكرت له ذلك، فذكره للنّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إنّي رأيت على بابها سترًا موشيًّا، فقال: ما لي وللدّنيا، فأتاها عليّ فذكر ذلك لها فقالت: ليأمرني فيه بما شاء، قال: ترسلي به إلى فلانٍ، أهل بيتٍ فيهم حاجة}. قال ابن حجرٍ: قوله صلى الله عليه وسلم: {ما لي وللدّنيا}، زاد ابن نميرٍ: {ما لي وللرّقم}. وما رواه مسلم عن بسر بن سعيدٍ عن زيد بن خالدٍ عن أبي طلحة صاحب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: {إنّ الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة} قال بسر: ثمّ اشتكى زيد بعد فعدناه، فإذا على بابه ستر فيه صورة، قال: فقلت لعبيد اللّه الخولانيّ ربيب ميمونة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ألم يخبرنا زيد عن الصّور يوم الأوّل ؟ فقال عبيد اللّه: ألم تسمعه حين قال: {إلاّ رقمًا في ثوبٍ}. أمّا ما ذكره الفقهاء في ذلك من حيث التّصوير والاستعمال فينظر في بحث تصوير (12 92) ومصطلح (نقش).
انظر: حراسة، ربيئة
1 - الرّقية لغةً: اسم من الرّقي يقال رقى الرّاقي المريض يرقيه. قال ابن الأثير: الرّقية العوذة الّتي يرقى بها صاحب الآفة كالحمّى والصّرع وغير ذلك من الآفات لأنّه يعاذ بها، ومنه قوله تعالى: {وقيل من راقٍ} أي من يرقيه، تنبيهًا على أنّه لا راقي يرقيه فيحميه، ورقيته رقيةً أي عوّذته باللّه، والاسم الرّقيا، والمرّة رقية، والجمع: رقًى. ولا يخرج اصطلاح الفقهاء للرّقية عن المعنى اللّغويّ. والرّقية قد تكون بكتابة شيءٍ وتعليقه، وقد تكون بقراءة شيءٍ من القرآن والمعوّذات والأدعية المأثورة.
2 - اختلف الفقهاء في الرّقى. فذهب الجمهور إلى جواز الرّقي من كلّ داءٍ يصيب الإنسان بشروطٍ ثلاثةٍ: أوّلها: أن يكون بكلام اللّه تعالى أو بأسمائه وصفاته. ثانيها: أن يكون باللّسان العربيّ أو بما يعرف معناه من غيره. ثالثها: أن يعتقد أنّ الرّقية لا تؤثّر بذاتها بل بإذن اللّه تعالى وقدرته لما روى عوف بن مالكٍ رضي الله عنه قال: {كنّا نرقي في الجاهليّة فقلنا: يا رسول اللّه كيف ترى في ذلك ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: اعرضوا عليّ رقاكم، لا بأس بالرّقى ما لم يكن فيه شرك}. وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: {نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الرّقى فجاء آل عمرو بن حزمٍ فقالوا: يا رسول اللّه إنّه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب وإنّك نهيت عن الرّقى، قال: فعرضوها عليه. فقال: ما أرى بأسًا، من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه}. وقال الرّبيع: سألت الشّافعيّ عن الرّقى فقال: لا بأس إن رقي بكتاب اللّه أو بما يعرف من ذكر اللّه. وسئل مالك عن الرّقى بالأسماء العجميّة فقال: وما يدريك أنّها كفر ؟ ومقتضى ذلك أنّ ما جهل معناه لا يجوز الرّقية به مخافة أن يكون فيه كفر أو سحر أو غير ذلك. وقال قوم من العلماء: لا تجوز الرّقية إلاّ من العين واللّدغة لحديث عمران بن حصينٍ رضي الله عنهما: {لا رقية إلاّ من عينٍ أو حمّةٍ}. وذهب بعض العلماء إلى أنّه تكره الرّقى حتّى وإن كانت بكتاب اللّه أو أسمائه وصفاته لأنّها قادحة في التّوكّل على اللّه، واستدلّوا بحديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم عندما ذكر الّذين يدخلون الجنّة بغير حسابٍ: {هم الّذين لا يتطيّرون ولا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربّهم يتوكّلون}. ومن هؤلاء سعيد بن جبيرٍ. وذهب آخرون إلى كراهة الرّقي إلاّ بالمعوّذات. وفرّق قوم من العلماء بين الرّقي قبل وقوع البلاء وبعد وقوعه، فقالوا: المنهيّ عنه من الرّقي هو ما يكون قبل وقوع البلاء، والمأذون فيه ما كان بعد وقوعه.
3 - ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز الجعل على الرّقي على تفصيلٍ (سبق في بحث تعويذ من الموسوعة).
1 - الرّكاز لغةً بمعنى المركوز وهو من الرّكز أي: الإثبات، وهو المدفون في الأرض إذا خفي. يقال: ركز الرّمح إذا غرز أسفله في الأرض، وشيء راكز أي: ثابت. والرّكز هو الصّوت الخفيّ. قال اللّه تعالى: {أو تسمع لهم ركزًا}. وفي الاصطلاح: ذهب جمهور الفقهاء (المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة) إلى أنّ الرّكاز هو ما دفنه أهل الجاهليّة. ويطلق على كلّ ما كان مالًا على اختلاف أنواعه. إلاّ أنّ الشّافعيّة خصّوا إطلاقه على الذّهب والفضّة دون غيرهما من الأموال. وأمّا الرّكاز عند الحنفيّة فيطلق على أعمّ من كون راكزه الخالق أو المخلوق فيشمل على هذا المعادن والكنوز. على تفصيلٍ سيأتي.
أ - المعدن: 2 - المعدن لغةً: هو بفتح الدّال وكسرها اسم للمحلّ ولما يخرج، مشتقّ من عدن بالمكان يعدن إذا أقام به، ومنه سمّيت جنّة عدنٍ لأنّها دار إقامةٍ وخلودٍ. ومنه المعدن لمستقرّ الجواهر. وأصل المعدن المكان بقيد الاستقرار فيه، ثمّ اشتهر في نفس الأجزاء المستقرّة الّتي ركّبها اللّه تعالى في الأرض يوم خلق الأرض، حتّى صار الانتقال من اللّفظ إليه ابتداءً بلا قرينةٍ. واصطلاحًا: هو كلّ ما خرج من الأرض ممّا يخلق فيها من غير جنسها ممّا له قيمة ويحتاج في إخراجه إلى استنباطٍ. قال أحمد: المعادن هي الّتي تستنبط، ليس هو شيء دفن.
والمعادن ثلاثة أنواعٍ: 1 - جامد يذوب وينطبع بالنّار كالنّقدين (الذّهب والفضّة)، والحديد والرّصاص والصّفر وغير ذلك. 2 - جامد لا ينطبع بالنّار كالجصّ والنّورة والزّرنيخ وغير ذلك. 3 - ما ليس بجامدٍ كالماء والقير والنّفط والزّئبق. وقد تبيّن ممّا سبق أنّ الرّكاز مباين للمعدن عند جمهور الفقهاء. وأمّا عند الحنفيّة فإنّ الرّكاز أعمّ من المعدن، حيث يطلق عليه وعلى الكنز. وللتّفصيل ينظر مصطلح: (معدن) ب - الكنز: 3 - الكنز لغةً: المال المجموع المدّخر، يقال: كنزت المال كنزًا إذا جمعته وادّخرته، والكنز في باب الزّكاة: المال المدفون تسميةً بالمصدر، والجمع كنوز. وفي الاصطلاح: قال ابن عابدين: الكنز في الأصل اسم للمثبت في الأرض بفعل إنسانٍ، والإنسان يشمل المؤمن أيضًا لكن خصّه الشّارع بالكافر لأنّ كنزه هو الّذي يخمّس، وأمّا كنز المسلم فلقطة، وهو كذلك عند سائر الفقهاء، وفيه خلاف وتفصيل يذكر في مصطلح (كنز). والكنز أعمّ من الرّكاز; لأنّ الرّكاز دفين الجاهليّة فقط، والكنز دفين الجاهليّة وأهل الإسلام، وإن اختلفا في الأحكام. ج - الدّفين: 4 - الدّفين في اللّغة: هو ما أخفي تحت أطباق التّراب، ونحوه مدفون ودفين. ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ فالدّفين أعمّ من الرّكاز.
5 - اتّفق الفقهاء على أنّ الرّكاز في قوله صلى الله عليه وسلم: {وفي الرّكاز الخمس} يتناول دفين الجاهليّة من الذّهب والفضّة سواء كان مضروبًا أو غيره. واختلفوا في غير النّقدين من دفين الجاهليّة. فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والشّافعيّ في القديم إلى أنّ الرّكاز يتناول كلّ ما كان مالًا مدفونًا على اختلاف أنواعه، كالحديد، والنّحاس والرّصاص، والصّفر، والرّخام والأعمدة، والآنية والعروض والمسك وغير ذلك. واستدلّوا بعموم حديث {وفي الرّكاز الخمس} إذ الحديث لا يخصّ مدفونًا دون غيره، بل هو عامّ في جميع ما دفنه أهل الجاهليّة. إلاّ أنّ الحنفيّة خالفوا جمهور الفقهاء فعمّموا إطلاق الرّكاز على المعادن الخلقيّة أيضًا لكن ليس جميعها، بل قصروا ذلك على كلّ معدنٍ جامدٍ ينطبع - أي يلين - بالنّار كالذّهب والفضّة والحديد والنّحاس والرّصاص وغير ذلك. وألحقوا بما تقدّم المعادن السّائلة الزّئبق، وهو قول أبي حنيفة ومحمّدٍ لأنّه يستخرج بالعلاج من عينه وطبع مع غيره فكان كالفضّة، فإنّ الفضّة لا تنطبع ما لم يخالطها شيء. قال ابن عابدين نقلًا عن النّهر: والخلاف - أي: في الزّئبق - في المصاب في معدنه، أمّا الموجود في خزائن الكفّار ففيه الخمس اتّفاقًا لأنّه مال. وبناءً على هذا فإنّ الرّكاز أعمّ من المعدن ومن الكنز عند الحنفيّة أي: يطلق عليهما. واستدلّوا بعموم حديث: {وفي الرّكاز الخمس} لأنّ كلًّا من المعدن والكنز مركوز في الأرض إن اختلف الرّاكز. وظاهره أنّ الرّكاز حقيقةً فيهما مشترك اشتراكًا معنويًّا وليس خاصًّا بالدّفين. وأمّا الشّافعيّة فقد قصروا إطلاق الرّكاز على ما وجد من الذّهب والفضّة فقط دون غيرهما من الأموال والمعادن; لأنّ الرّكاز مال مستفاد من الأرض فاختصّ بما تجب فيه الزّكاة قدرًا ونوعًا.
6 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ دفين الجاهليّة ركاز، ويستدلّ على كونه من دفين الجاهليّة بوجوده في قبورهم أو خزائنهم أو قلاعهم. فإن وجد في مواتٍ فيعرف بأن ترى عليه علاماتهم كأسماء ملوكهم وصورهم وصلبهم وصور أصنامهم ونحو ذلك. فإن كان على بعضه علامة كفرٍ وبعضه لا علامة فيه فركاز. أمّا إذا لم تكن بالكنز علامة يستدلّ بها على كونه من دفين الجاهليّة أو الإسلام أو اشتبه، فالجمهور (الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وبعض الشّافعيّة) على أنّه ركاز; لأنّ الغالب في الدّفن أن يكون من أهل الجاهليّة. وذهب الشّافعيّة - في الأصحّ - إلى أنّه ليس بركازٍ بل هو لقطة، وذلك لأنّه مملوك فلا يستباح إلاّ بيقينٍ. وفي المجموع: قال الرّافعيّ: واعلم أنّ الحكم مدار على كونه من دفن الجاهليّة لا أنّه من ضربهم، فقد يكون من ضربهم ويدفنه مسلم بعد أن وجده وأخذه وملكه. وهذا الّذي قاله الرّافعيّ تفريع على الأصحّ من هذين القولين: أنّ الكنز الّذي لا علامة فيه يكون لقطةً. فأمّا إذا قلنا بالقول الآخر أنّه ركاز، فالحكم مدار على ضرب الجاهليّة. المراد بالجاهليّة: 7 - المراد بالجاهليّة: ما قبل الإسلام، أي قبل مبعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم سمّوا بذلك لكثرة جهالاتهم، أو من كان بعد مبعثه ولم تبلغه الدّعوة. وعلى هذا فلفظ الجاهليّة يطلق على من لا دين له قبل الإسلام أو كان له دين كأهل الكتاب. قال الشّربينيّ: ويعتبر في كون الدّفين الجاهليّ ركازًا كما قاله أبو إسحاق المروزيّ أن لا يعلم أنّ مالكه بلغته الدّعوة، فإن علم أنّه بلغته وعاند ووجد في بنائه أو بلده الّتي أنشأها كنز فليس بركازٍ بل فيء، حكاه في المجموع عن جماعةٍ وأقرّه. واختلف المالكيّة فيمن كان له كتاب هل يقال: إنّه جاهليّ ؟ قال الدّسوقيّ: الجاهليّة كما في التّوضيح ما عدا الإسلام كان لهم كتاب أم لا. وقال أبو الحسن: اصطلاحهم أنّ الجاهليّة أهل الفترة الّذين لا كتاب لهم. وأمّا أهل الكتاب قبل الإسلام فلا يقال لهم: جاهليّة. وعلى كلّ حالٍ دفنهم جميعهم ركاز. هذا وأخرج الفقهاء من الرّكاز دفين أهل الذّمّة. ففي الفواكه الدّواني: إنّما كان مال الذّمّيّ كالمسلم لأنّه محترم بحرمة الإسلام لدخوله تحت حكم المسلمين.
8 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ كلّ ما دفنه أهل الجاهليّة يعتبر ركازًا. ولكن اختلفوا في اشتراط الدّفن في الرّكاز. فصرّح المالكيّة والحنابلة بأنّ ما وجد على ظهر الأرض من أموال الجاهليّة يعتبر ركازًا أيضًا، جاء في المدوّنة: ما وجد على وجه الأرض من مالٍ جاهليٍّ، أو بساحل البحر من تصاوير الذّهب والفضّة فلواجده مخمّسًا. قال الصّاويّ: واقتصر على الدّفن لأنّه الغالب، هذا إذا تحقّق أنّه مال جاهليّ. وفي منتهى الإرادات: ويلحق بالدّفن ما وجد على وجه أرضٍ. وقد فصّل الشّافعيّة هنا على قولين متى يعتبر كونه ركازًا ؟ فقيل: بدفن الجاهليّة، وقيل: بضربهم. قال السّبكيّ: والحقّ أنّه لا يشترط العلم بكونه من دفنهم فإنّه لا سبيل إليه، وإنّما يكتفى بعلامةٍ تدلّ عليه من ضربٍ أو غيره. ا هـ. وهذا أولى، والتّقييد بدفن الجاهليّ يقتضي أنّ ما وجد في الصّحارى من دفين الحربيّين الّذين عاصروا الإسلام لا يكون ركازًا بل فيئًا، ويشترط في كونه ركازًا أيضًا أن يكون مدفونًا، فإن وجده ظاهرًا فإن علم أنّ السّيل أظهره فركاز، أو أنّه كان ظاهرًا فلقطة، وإن شكّ فكما لو شكّ في أنّه ضرب الجاهليّة أو الإسلام. قاله الماورديّ. ولم نر للحنفيّة تصريحًا في هذا الموضوع.
9 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ دفين أهل الإسلام لقطة. ويعرف بأن يكون عليه علامة الإسلام أو اسم النّبيّ صلى الله عليه وسلم أو أحد خلفاء المسلمين أو والٍ لهم، أو آية من قرآنٍ أو نحو ذلك. وتفصيل حكم اللّقطة في مصطلح (لقطة). قال في المغني: وإن كان على بعضه علامة الإسلام، وعلى بعضه علامة الكفر فكذلك (أي: لقطة)، نصّ عليه أحمد في رواية ابن منصورٍ; لأنّ الظّاهر أنّه صار إلى مسلمٍ، ولم يعلم زواله عن ملك المسلمين، فأشبه ما لو كان على جميعه علامة المسلمين. والّذي يظهر أنّ ذلك ليس قول الحنابلة وحدهم بل هو قول بقيّة الفقهاء أيضًا كما يظهر من كلامهم في معرفة دفين الجاهليّة. قال ابن عابدين نقلًا عن عليٍّ القاريّ: وأمّا مع اختلاط دراهم الكفّار مع دراهم المسلمين كالمشخّص المستعمل في زماننا، فلا ينبغي أن يكون خلاف في كونه إسلاميًّا.
10 - اتّفق الفقهاء على أنّ الواجب في الرّكاز الخمس، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: {العجماء جبار وفي الرّكاز الخمس}. قال ابن المنذر: لا نعلم أحدًا خالف في هذا الحديث إلاّ الحسن فإنّه فرّق بين ما يوجد في أرض الحرب وأرض العرب، فقال: فيما يوجد في أرض الحرب الخمس، وفيما يوجد في أرض العرب الزّكاة. قال المالكيّة: محلّ تخميسه ما لم يحتج لنفقةٍ كبيرةٍ وإلاّ فيزكّى. قال مالك: الأمر الّذي لا اختلاف فيه عندنا، والّذي سمعته من أهل العلم يقولون: إنّ الرّكاز إنّما هو دفن يوجد من دفن الجاهليّة ما لم يطلب بمالٍ. وأمّا ما طلب بمالٍ كثيرٍ فليس بركازٍ، إنّما فيه الزّكاة بعد وجود شروط الزّكاة حيث استأجر على العمل، لا إن عمل بنفسه أو عبيده فلا يخرج عن الرّكاز. وأمّا أربعة أخماسه فلواجده. وسيأتي بيان مصرف الخمس الواجب إخراجه ف 22
11 - ألحق المالكيّة بالرّكاز النّدرة: وهي قطعة الذّهب والفضّة الخالصة الّتي لا تحتاج إلى تصفيةٍ، والّتي توجد في الأرض من أصل خلقتها لا بوضع واضعٍ لها في الأرض. وفيها الخمس على المشهور. وروى ابن نافعٍ عن مالكٍ أنّه ليس فيها إلاّ الزّكاة وإنّما الخمس في الرّكاز. نبش القبر لاستخراج المال: 12 - صرّح المالكيّة بأنّ ما يوجد في قبر الجاهليّ ركاز. وأمّا ما يوجد في قبر المسلم ففي حكم اللّقطة. وتفصيل ذلك في مصطلح (قبر، ولقطة).
13 - ذهب جمهور الفقهاء (الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والشّافعيّ في القديم) إلى أنّه لا يشترط النّصاب في الرّكاز، بل يجب الخمس في قليله وكثيره. وحكاه ابن المنذر عن إسحاق وأبي عبيدٍ وأصحاب الرّأي، وقال: وبه قال أكثر أهل العلم، وهو أولى بظاهر الحديث. وذهب الشّافعيّة - على المذهب - إلى اشتراط النّصاب بناءً على أنّ الخمس المأخوذ من الرّكاز زكاة. قال النّوويّ: اتّفقت نصوص الشّافعيّ والأصحاب على هذه المسألة: أنّه إذا وجد من الرّكاز مائة درهمٍ، ثمّ وجد مائةً أخرى أنّه لا يجب الخمس في واحدةٍ منهما، بل ينعقد الحول عليهما من حين كمل النّصاب، فإذا تمّ لزمه ربع العشر كسائر النّقود الّتي يملكها، وهذا تفريع على المذهب، وهو اشتراط النّصاب في الرّكاز. ثمّ قال: إذا وجد من الرّكاز دون النّصاب، وله دين تجب فيه الزّكاة يبلغ به نصابًا، وجب خمس الرّكاز في الحال. فإن كان ماله غائبًا أو مدفونًا أو وديعةً أو دينًا - والرّكاز ناقص - لم يخمّس حتّى يعلم سلامة ماله، وحينئذٍ يخمّس الرّكاز النّاقص عن النّصاب سواء أبقي المال أم تلف إذا علم وجوده يوم حصول الرّكاز.
14 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا يشترط الحول في الرّكاز; لأنّ الحول يعتبر لتكامل النّماء وهذا لا يتوجّه في الرّكاز. قال النّوويّ: ونقل الماورديّ فيه الإجماع
15 - ذهب جمهور الفقهاء (الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة) إلى أنّ الّذي يجب عليه الخمس هو كلّ من وجد الرّكاز من مسلمٍ أو ذمّيٍّ صغيرٍ أو كبيرٍ، عاقلٍ أو مجنونٍ. فإن كان صبيًّا أو مجنونًا فهو لهما، ويخرج الخمس عنهما وليّهما. وهذا قول أكثر أهل العلم. قال ابن المنذر: أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم على أنّ على الذّمّيّ في الرّكاز يجده: الخمس، قاله أهل المدينة والثّوريّ والأوزاعيّ وأهل العراق، وأصحاب الرّأي وغيرهم. وذهب الشّافعيّة إلى أنّه لا يجب الخمس إلاّ على من تجب عليه الزّكاة، سواء كان رجلًا أو امرأةً، رشيدًا أو سفيهًا، أو صبيًّا أو مجنونًا. ويمنع الذّمّيّ عند الشّافعيّة من أخذ المعدن والرّكاز بدار الإسلام، كما يمنع من الإحياء بها; لأنّ الدّار للمسلمين وهو دخيل فيها. وأمّا الحربيّ المستأمن فقد ذكر صاحب الدّرّ من الحنفيّة أنّه يستردّ منه ما أخذ إلاّ إذا عمل بإذن الإمام على شرطٍ فله المشروط. وعند الحنفيّة والحنابلة أيضًا أنّه لو عمل رجلان في طلب الرّكاز فهو للواجد، وإن كانا مستأجرين لطلبه فهو للمستأجر; لأنّ الواجد نائبه فيه. وللتّفصيل انظر مصطلح: (حربيّ، شركة، إجارة، خمس).
16 - أ - أن يجده في مواتٍ أو ما لا يعلم له مالك من مسلمٍ أو ذي عهدٍ، كالأبنية القديمة، والتّلول، وجدران الجاهليّة وقبورهم، فهذا فيه الخمس بلا خلافٍ سوى ما روي عن الحسن. وعبارة الحنفيّة: في أرضٍ خراجيّةٍ أو عشريّةٍ، وهي أعمّ من أن تكون مملوكةً لأحدٍ أو لا، صالحةٍ للزّراعة أو لا. فيدخل فيه المفاوز وأرض الموات، فإنّها إذا جعلت صالحةً للزّراعة كانت عشريّةً أو خراجيّةً. وقال في المغني: لو وجده في هذه الأرض على وجهها أو في طريقٍ غير مسلوكٍ، أو قريةٍ خرابٍ فهو كذلك في الحكم، لما روى عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدّه قال: {سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن اللّقطة ؟ فقال: ما كان في طريقٍ مأتيٍّ أو قريةٍ عامرةٍ فعرّفها سنةً، فإن جاء صاحبها وإلاّ فلك، وما لم يكن في طريقٍ مأتيٍّ ولا في قريةٍ عامرةٍ ففيه وفي الرّكاز الخمس}. وقال المالكيّة: يخرج خمس الرّكاز والباقي لواجده حيث وجده في أرضٍ لا مالك لها، كموات أرض الإسلام، أو فيافي العرب الّتي لم تفتح عنوةً ولا أسلم عليها أهلها، وأمّا لو وجد الرّكاز في أرضٍ مملوكةٍ فيكون ما فيه لمالك الأرض. وشرط الشّافعيّة أن يجده في أرضٍ لم تبلغها الدّعوة. قال النّوويّ: إذا بنى كافر بناءً وكنز فيه كنزًا وبلغته الدّعوة وعاند فلم يسلم ثمّ هلك وباد أهله فوجد ذلك الكنز كان فيئًا لا ركازًا، لأنّ الرّكاز إنّما هو أموال الجاهليّة العاديّة الّذين لا يعرف هل بلغتهم دعوة أم لا ؟ فأمّا من بلغتهم فما لهم فيء، فخمسه لأهل الخمس وأربعة أخماسه للواجد. فإن وجد الرّكاز في شارعٍ أو طريقٍ مسلوكٍ فلقطة عند الشّافعيّة والحنابلة، وعند المالكيّة ركاز.
ب - أن يجد الرّكاز في ملكه: 17 - الملك إمّا أن يكون قد أحياه أو انتقل إليه. 1 - أن يكون مالكه هو الّذي أحياه، فإذا وجد فيه ركازًا فهو له وعليه أن يخمّسه، وزاد المالكيّة على الإحياء الإرث، وزاد الشّافعيّة إقطاع السّلطان. أمّا الحنفيّة فيعنون بمالك الأرض أن يكون قد ملكها أوّل الفتح، وهو من خصّه الإمام بتمليك الأرض حين فتح البلد. 2 - أن يجد الرّكاز في ملكه المنتقل إليه: 18 - إذا انتقل الملك عن طريق الإرث ووجد فيه ركازًا فلا خلاف بين الفقهاء في أنّه لورثته. أمّا لو انتقل إليه ببيعٍ أو هبةٍ ووجد فيه ركازًا فقد اختلف الفقهاء في من يكون له الرّكاز. فذهب جمهور الفقهاء (المالكيّة والشّافعيّة وأبو حنيفة ومحمّد وهي رواية عن أحمد) إلى أنّه للمالك الأوّل أو لوارثه لو كان حيًّا; لأنّه كانت يده على الدّار فكانت على ما فيها. قال ابن عابدين نقلًا عن البحر: إنّ الكنز مودع في الأرض فلمّا ملكها الأوّل ملك ما فيها، ولا يخرج ما فيها عن ملكه ببيعها كالسّمكة في جوفها درّة. وذهب أبو حنيفة ومحمّد إلى أنّه إذا لم يعرف المالك الأوّل ولا ورثته فيوضع الرّكاز في بيت المال على الأوجه. وهو قول المالكيّة. قال في الشّرح الصّغير: وهو الظّاهر بل المتعيّن. والقول الثّاني للمالكيّة: أنّه لقطة. وذهب أحمد في روايةٍ - وأبو يوسف وبعض المالكيّة إلى أنّ الرّكاز الباقي بعد الخمس للمالك الأخير، لأنّه مال كافرٍ مظهور عليه في الإسلام، فكان لمن ظهر عليه كالغنائم; ولأنّ الرّكاز لا يملك بملك الأرض لأنّه مودع فيها، وإنّما يملك بالظّهور عليه، وهذا قد ظهر عليه فوجب أن يملكه. وقد صحّح في المغني هذه الرّواية، ثمّ قال: لأنّ الرّكاز لا يملك بملك الدّار لأنّه ليس من أجزائها، وإنّما هو مودع فيها، فينزّل منزلة المباحات من الحشيش والحطب والصّيد يجده في أرض غيره فيأخذه فيكون أحقّ به. وقال ابن عابدين: قال أبو يوسف: الباقي للواجد كما في أرضٍ غير مملوكةٍ، وعليه الفتوى، وبه قال أبو ثورٍ. وذهب الحنابلة إلى أنّه إذا اختلف الورثة فأنكر بعضهم أن يكون لمورثهم ولم ينكره الباقون، فحكم من أنكر في نصيبه حكم المالك الّذي لم يعترف به، وحكم المعترفين حكم المالك المعترف.
ج - أن يجد الرّكاز في ملك غيره: 19 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في روايةٍ إلى أنّ الرّكاز الموجود في دارٍ أو أرضٍ مملوكةٍ يكون لصاحب الدّار وفي روايةٍ أخرى عن أحمد أنّه لواجده. ونقل عن أحمد ما يدلّ أنّه لواجده. لأنّه قال في مسألة من استأجر أجيرًا ليحفر له في داره فأصاب في الدّار كنزًا: فهو للأجير. نقل ذلك عنه محمّد بن يحيى الكحّال، قال القاضي: هو الصّحيح، وهذا يدلّ على أنّ الرّكاز لواجده، وهو قول أبي ثورٍ، واستحسنه أبو يوسف، وذلك لأنّ الكنز لا يملك بملك الدّار، فيكون لمن وجده، لكن إن ادّعاه المالك فالقول قوله، وإن لم يدّعه فهو لواجده.
20 - صرّح المالكيّة بأنّ دفين المصالحين لهم ولو كان الدّافن غيرهم، فما وجد من الرّكاز مدفونًا في أرض الصّلح، سواء كانوا هم الّذين دفنوه أو دفنه غيرهم فهو للّذين صالحوا على تلك الأرض، والمشهور أنّه لا يخمّس، فإن وجده أحد المصالحين في داره فهو له بمفرده سواء وجده هو أو غيره. وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الرّكاز الموجود في موات دار أهل العهد يملكه واجده كموات دار الإسلام.
21 - اختلف الفقهاء في الرّكاز الموجود في دار الحرب: فذهب الحنفيّة إلى أنّ الرّكاز الموجود في دار الحرب إن كان في أرضٍ مملوكةٍ لغير مستأمنٍ فالكلّ للواجد وإلاّ وجب ردّه للمالك، وأمّا الموجود في أرضٍ مملوكةٍ أصلًا فالكلّ للواجد بلا فرقٍ بين المستأمن وغيره; لأنّ ما في صحرائهم ليس في يد أحدٍ على الخصوص فلا يعدّ غدرًا. وفرّق الشّافعيّة في الأرض المملوكة بين أن يؤخذ الرّكاز بقهرٍ وقتالٍ فهو غنيمة، كأخذ أموالهم ونقودهم من بيوتهم فيكون خمسه لأهل خمس الغنيمة وأربعة أخماسه لواجده، وبين أن يؤخذ بغير قتالٍ ولا قهرٍ فهو فيء ومستحقّه أهل الفيء. وذهب الشّافعيّة إلى أنّهم إن لم يذبّوا عنه فهو كموات دار الإسلام - بلا خلافٍ عندهم - وهو ركاز. وهذا محمول عند الحنفيّة والشّافعيّة على ما إذا دخل دار الحرب بغير أمانٍ. أمّا إذا دخل بأمانٍ فلا يجوز له أخذ الكنز لا بقتالٍ ولا بغيره. وذهب الحنابلة إلى أنّه إن قدر عليه بنفسه فهو لواجده، حكمه حكم ما لو وجده في موات أرض المسلمين، ولم يفرّق الحنابلة في الموات بين ما يذبّ عنه وبين ما لا يذبّ عنه; لأنّه ليس لموضعه مالك محترم أشبه ما لو لم يعرف مالكه.
22 - ذهب جمهور الفقهاء (الحنفيّة والمالكيّة والمذهب عند الحنابلة وبه قال المزنيّ من الشّافعيّة) إلى أنّ خمس الرّكاز يصرف مصارف الغنيمة وليس زكاةً. ومن ثمّ فإنّه حلال للأغنياء ولا يختصّ بالفقراء، وهو لمصالح المسلمين، ولا يختصّ بالأصناف الثّمانية. قال ابن قدامة: مصرفه مصرف الفيء، وهذه الرّواية عن أحمد أصحّ ممّا سيأتي وأقيس على مذهبه، لما روى أبو عبيدٍ عن الشّعبيّ: أنّ رجلًا وجد ألف دينارٍ مدفونةً خارجًا من المدينة، فأتى بها عمر بن الخطّاب، فأخذ منها الخمس مائتي دينارٍ، ودفع إلى الرّجل بقيّتها، وجعل عمر يقسم المائتين بين من حضره من المسلمين، إلى أن أفضل منها فضلةً، فقال: أين صاحب الدّنانير ؟ فقام إليه، فقال عمر: خذ هذه الدّنانير فهي لك. ولو كان المأخوذ زكاةً لخصّ به أهلها ولم يردّه على واجده; ولأنّه مال مخموس زالت عنه يد الكافر، أشبه خمس الغنيمة. وذهب الشّافعيّة وهي رواية عن أحمد إلى أنّه يجب صرف خمس الرّكاز مصرف الزّكاة. قال النّوويّ: هذا هو المذهب. ولتفصيل توزيع الخمس ينظر مصطلح: (خمس، غنيمة، فيء).
|